الرئيسية

انطلاق النسخة الرابعة عشر من المهرجان الثقافي بقرية تيكماطين

أشرف والي اترارزة السيد محمد ولد احمد مولود، مساء أمس الجمعة، بقرية تيگماطين التابعة لمقاطعة كرمسين، على انطلاق المهرجان الثقافي المنظم من طرف المركز الإفريقي للدراسات والأبحاث الصوفية الذي يرأسه الدكتور أحمد بمب ولد صيار، مؤسس المهرجان عام 1999 وناشر المنشورات المتعلقة بالزاوية وأول من دل المتصوفة في موريتانيا على طريق هذه الأنشطة الدينية المهمة. مما نتج عنه تقريب بين المدارس الصوفية والمدارس الإسلامية الأخرى.

وأكد والي اترارزة، في كلمة له بالمناسبة، أنه سعيد بحضور فعاليات المهرجان الذي تحضره كوكبة من العلماء والمثقفين وأهل الفكر الذين جاءوا إلى قرية العلم والصلاح قرية تيگماطين إحدى أولى الحواضر العلمية في موريتانيا.
وقال بأن هذه التظاهرة المباركة جاءت في ظرف زمني خاص قطعت فيه بلادنا أشواطا جبارة على يد فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، وقد تجسد اهتمام فخامته بمثل هذه المهرجانات بإشرافه الشخصي على إطلاق نسخ عديدة منه في أنحاء متفرقةً
كما حضر وفد رفيع المستوى من مدينة طوبى، كما حضره الناطق الرسمي باسم جمعية الشيخ آياه الخيرية السيد صدام ولد النون، ممثلا عن القائم بأعمال الطريقة القادرية في غرب إفريقيا الشيخ عبد العزيز ولد الشيخ آياه ولد الشيخ الطالب بوي.

“نشير إلى أن قرية تيگماطين تأسست قبل تسعمائة عام وفي حدود 536 هجرية ومنذ ذلك الوقت وهي تتشكل شيئا فشيئا على أنقاض حي ” مصر” الولفي، وقد ظلت هذه الحاضرة المولودة في نفس العام مع مراكش 432 هجرية، حسب بعض المؤرخين الشريان الذي تسري فيه الحياة بين مجتمعي البيضان والولف، بل يرى بعض الباحثين من أمثال احمد انياس، معضدا بالدكتور جمال ولد الحسن، أن رحلة الولوف كانت من تخوم هذه الحاضرة إلى السنغال وليس العكس.
وقد جسدت تيگماطين ذلك التعدد الاثنى والعرقي الثري وتلك الحركية التجارية الضرورية لبناء القوالب الحضارية، مشجعة بذلك ميلاد شتى الطرق الصوفية المختلفة والمتكاملة، من شاذلية وقادرية وتيجانية ومريدية، ومن المعروف أن تيگماطين وحوض النهر عموما شهدا بدايات المد الصوفي عندما مر بتلك الربوع الشيخ عبد الكريم المغيلي المتوفى 1532م.
وعلى يد رجالات تيگماطين وعبر بوابة حوض النهر اتسعت خارطة الإسلام بدء ” ببير وانتال” ونتهاء “بگوگي ” التي بنى الفقيه المختار الدنبه الكبير محظرته بها وقد اسلم على يديه ملك كاجور ” ساقور فاطم جوب” معلنا بذلك بداية الاندحار الفعلي للوثنية.
وإذا كانت تيگماطين قد مثلت الانسجام العرقي في أروع مظاهره، جامعة مكونات لمختلف الأعراق زنجية كانت أم عربية فإنها قد أسست ثقافة للسلم والتعايش قلما ريئت في مكان آخر. ولم يقتصر دورها على نشر الدين وضمان التبادلات التجارية والحفاظ على السلم المدني فحسب، بل تجاوزه إلى حماية المجتمع من أي اعتداء قد يؤثر على الدين والتجارة والسلم، لذلك التقى الشيخ ابراهيم رضوان جد المختار الدنبه رفقة بعض الملوك الولف بقائد قوات المنصور الذهبى، الذي كان قد غزى تمبكتو في مسعى يهدف إلى حماية البلد من الاجتياح، وبالفعل نجحت هذه المساعي الدبلوماسية الجبارة، ويجدر بنا أن نشير كذلك إلى أن مؤسس جامعة ” ابير” القاضي عمر فال كان والده ” كولى” ضمن الوفد الذي ثنى قائد جيش الرماة عن طموحاته للحصول على العبيد والذهب والملح والصمغ وريش النعام.
وإذا كان فقهاء الوالو وأئمة وقادة الدولة الإسلامية الإمامية في فوتا قد نهلوا من معين محاظر الشرفاء التيگماطيين في ابير وانتال وگوگي، فإن علاقة الشرفاء بإفريقية السوداء ظلت قائمة منذ اعتلى عرش امبراطورية غانا في القرن 5 هجري، واحد من أبناء صالح بن عبد الله الكامل أخو مولاي ادريس الكبر.
ولنا أن نذكر كذلك أن أطلال المسجد العتيق بقرية تيگماطين كان من بين أولى سبع مآذن ببلاد التكرور، وعلاوة على دور تيگماطين في نشر الدين وضمان الموارد التجارية، كان لهم رأيهم السياسي ووجهة نظرهم في نمط الحكم وطبيعة السلطة لذلك شاركوا إلى جانب الزوايا في حرب شرببه، ولعبو الدور البارز في معركتي انتينو وشمامه، كما عرضت عليهم القيادة حسب مخطوط المؤرخ الكبير باگا.
وهنا ينصف التاريخ والجغرافيا ليقولا بأن تيگماطين أو حوض النهر، كانت نقطة قيام دولة المرابطين السنية.
انطلاقا من الفهم السليم لرأي ابن خلدون الذي وصف أرضا أقرب ماتكون إلى النهر وأبعد ما تكون من المحيط.
وبالتالي تموت نظرية انطلاق المرابطين من جزيرة (تيدرة) وتبدأ إعادة بناء تاريخ قيام دولة المربطين بشكل صحيح من تخوم حوض النهر، معضدا باستنتاجات الباحثين في المؤتمر الدولي لذكرى مرور ألف عام على حركة المرابطين. والذي كان بمبادرة من مركز تيگماطين.
ويلمح البكري في المسالك والممالك أن التكرور قد شاركوا المرابطين في حملاتهم الدينية مما يدل على أن حوض نهر السنغال قد عرف الإسلام قبل المرابطين بفترة قد لا تكون قصيرة. وأن نظرة عابرة لتيگماطين بوصفها مرآت عاكسة لحوض النهر تؤكد أن التوازنات السياسية والاقتصادية كانت على مر العصور تمر منها، حيث شكلت الحاضرة سوقا تنطلق منها القوافل المتجهة إلى وادنون واروان، بموازاة مع خط قوافل تمبكتو الصويرة. وتشير بعض الوثائق التاريخية أن التجارية البحرية البرتغالية على السواحل والشواطئ كانت تركز في مبادلاتها ومقايضاتها على سوق ” امبل” بتيگماطين.
أما من الناحية السياسية فإن خؤلات أبناء الشريف “أبي بزول ” في تيگماطين من الولف وعلاقاتهم الودية الضاربة في القدم مع امارة الترارزة منذ عهد الأميرين عمر ولد كمب، واعل الكوري، مرورا بمحمد لحبيب، وضعت الجسر الذي مرت فوقه علاقات التعاون المثمرة والودية بين القوتين المهيمنتين على ضفتي النهر.
وعلى جنبات تيگماطين حيث يتعانق كرم تلال الصحراء مع أريحية أودية النهر، مرّ العلماء والفقهاء والشعراء والمشايخ فكان من أعظم هؤلاء:
العارف بالله الشيخ محمد الحافظ التيجاني المولود بها، والعارف بالله محمد اندكسعد الذي زارها، والأمين النجيب شمس إدولحاج الجنوب، وطلحة والد الشيخ المستعين، وادييج الكمليلي دفينها، وكذا أحمد بوفارس دفينها، وسيدي لمرابط محمذفال ولد متالي، وسيدي يعرف والصبار والد مؤسس الصديقية دفينها، وإبراهيم الأموي قاضي المرابطين دفين امبلطون، في داره وكذا أحمد بزيد وغيرهم كثير.
تسعمائة عام تمضي وتيگماطين ماتزال شامخة في وجه عاديات الزمن تتحدى أعاصير الجفاف والتصحر.
تسعمائة عام تمضي وتيگماطين ما زالت بوسائلها المتواضعة تواجه مصيرا أقل مايمكن أن يقال عنه أنه يحتاج الإضاءة، فلاهي اعتبرت مدينة أثرية أو تاريخية، ولاهي ادخلت في مناهج التعليم ولاهي استفادت مما استفادت منه نظيراتها، من المدن التاريخية، ورغم ذلك كله ظلت في معمعان معركة البقاء وفاء لذلك التاريخ الكبير”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى