آراء ومقالاتالرئيسية

ميثاق لحراطين فرصة ضائعة/ محمد داود إميجن

كالعادة، احتفل ميثاق الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للحراطين بالذكرى الثانية عشرة لتأسيسه، يوم 29 أبريل 2024، منقسما.
كان إحياء هذه الذكرى مجرد تكرار لروتين سنوي لاجديد فيه، أو على الأصح، تنبيها على كونه ما زال على قيد الحياة،حتى وإن يلفظ أنفاسه الأخيرة.
والدليل هو أنه لم يتم إجراء أي تقييم أو تحديث لمحتوى الوثيقة الأصلية، لم يقدم أي برنامج أو خطة عمل للمستقبل، لا من هذا الجانب ولا من الجانب الآخر. فمن ناحية، شهدنا، في دار الشباب القديمة، إحياء ذكرى هزيلة، أنعشها أنصار تم حشدهم لإظهار تفوقهم العددي، وتوج بنفس السرد الممل، الذي يعرض مآسي الحراطين وإقصائهم وتهميشهم، ومن ناحية أخرى، إعلان مكرر، يذكرنا بتاريخ إفلاسنا، ويدعي في الوقت نفسه أبوة وتأليف الوثيقة ومبادرة الميثاق.
وهكذا، فقد سقطنا من قمة التوافق السياسي التاريخي الذي أثار الأمل والدعم والتعبئة لدى غالبية الشعب الموريتاني، والحراطين على وجه الخصوص، إلى التنافس المشين بين طائفتين محتضرتين تتنافسان على، عنوان سياسي لاستغلاله لحاجة في نفس يعقوب…
إنه أمر محزن، مؤسف، ولا يليق بنخبة تحملت مسؤولية النضال من أجل القضاء على إشكالية الحراطين المطحونين بسبب عبودية  تاريخية لاإنسانية دامت عدة قرون، وحاليا متروكين لاستغلالهم من قبل نظام سياسي مشبع بعقلية العبودية، الأمر الذي يبقيهم في وضع مؤسف يشبه استعباد جديد تمارسه الدولة هذه المرة.
ومهما كانت أسباب خلافاتهم المدمرة، فإن التاريخ سيسجل أنه بسبب طموحاتهم المفرطة، وانتهازيتهم، وأنانيتهم السياسية، وافتقارهم إلى رؤية سياسية، فإن المسؤولين عن هذا التراجع لميثاق الحراطين، اساؤوا خدمة قضية الحراطين.
أساؤوا خدمة قضية الحراطين، لأنه بسبب خلافاتهم غير المناسبة، أضاعوا الفرصة لتعزيز المقاربة الوطنية لإشكالية الحراطين، وتخفيف حدة الحساسيه التي تحيط بإشكالية العبودية، والسماح لنشاط الحراطين بتبرير ضرورة إلتفافهم حول قضيتهم، وتفنيد الشيطنة التي يريد البعض الحاقها  بشكل متعمد بنضالهم المشروع،والواجب والضروري،  والتي لا تزال أسباب وجوده قائمة وواضحة.
أساؤوا خدمة قضية الحراطين، لأنه بسبب خلافاتهم الدنيئة، أضاعوا  فرصة توحيد التيارات السياسية للحراطين في إطار تشاوري واسع حول إشكالية الحراطين، يضم كذلك القوى التقدمية الأخرى في البلاد.
على العكس من ذلك، لم يجلب لنا الميثاق، بسبب خلافاتهم، سوى انقسام آخر، وتشويه سمعة آخر، وخيبة أمل أخرى…
أساؤوا خدمة قضية الحراطين، لأن انقسام قادته أفقدنا مصداقية نضال الحراطين العادل والمشروع لدى الرأي العام الوطني بشكل عام وبين قاعدتهم الناشطة بشكل خاص.
واليوم، أدركت جميع القوى السياسية في البلاد، والنظام القائم أولاً وقبل كل شيء، أن الحراطين، حتى المثقفين منهم، ورغم شرعية وعدالة نضالهم، ما زالوا قابلين للتلاعب بهم واستغلالهم سياسياً ، وأنهم ما زالوا يعانون من أثر من أكثر آثار العبودية عنادًا، وأكثرها دقة، وأكثرها إثارة للانتباه، ألا وهو نقصان الكرامة الإنسانية.
إذا لم يكن الأمر كذلك، فكيف يمكنهم أن يدعوا الدفاع عن حقوق الحراطين، الذين سحقهم ثقل ماضٍ من العبودية القاسية، متروكين لامرهم، محرومين، بائسين، مهمشين، مستبعدين، محتقرين، مستغلين، وينتهي بهم الأمر إلى التنافس على ميثاق لم يعد أكثر من مجرد قوقعة فارغة، ورمز للحظة تاريخية لاجماع سياسي عظيم مات في المهد لسبب غباء وأنانية قادته.
لا، يجب أن نضع حداً لهذه الأزمة التي طال أمدها، والتي لم يعد لها سبب لكونها مسببة للفرقة، سخيفة ومهينة وتشويه للسمعة. يجب حتما، إعادة تأهيل ميثاق الحراطين بشكل توافقي أو إحباطه.
إنها لفرصة لاطلاق نداء للشباب الموريتاني ولشباب الحراطين على وجه الخصوص للتحكم في مصيرهم وأن لا يعتمدوا على أجيال قد جرّبت، ووصلت إلى حد مساهماتها في ماهو قائم، والاخطر هو أنها ملوثة   بالانحراف السياسي لمدة أكثر من ثلاثة عقود، من قبل نظام جعلهم جميعًا تقريبًا يمرون بقوالب سوء الإدارة والانتهازية والمحسوبية واللامدنية.
أنتم أيها الشباب الموريتانيون، الذين لم يسبق لكم أن كنتم ملاك العبيد، والذين لم تعانوا من العبودية قط، أنتم الذين تتقبلون أكثر مفاهيم وقيم المواطنة والعدالة والمساواة، الذين تطمحون إلى إقامة دولة القانون،جمهورية، ديمقراطية، مثل كل الدول الصاعدة، اعلموا أن موريتانيا في خطر وتحتاجكم أكثر من أي وقت مضى للخروج من مأزقها السياسي. فهبوا قبل فوات الأوان.

محمد داود إميجن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى