موريتانيا…العبور الآمن اعصبوها برأسي وقولوا عني ما شئتم /الحسن آب
حينما همت قريش بهدم الكعبة لإعادة بنائها، عارض بعض بطونها القرار منذرين بأن غضبا من الله سيحل بهم إن هم هدموا بيته، فتقدم الوليد بن المغيرة وقال : سأضرب الضربة الأولى بالمعول، فإن حصل لي مكروه فارجعوا عن قراركم، وإن لم يحدث فالحقوا بي، ورفع الرجل معوله قائلا ” يا رب، ما أردنا إلا خيرا ” وهوى بمعوله على ركن فلم يحدث له مكروه، فالتحق به القوم، ووضع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الحجر الأسود في مكانه بعد نزاع بطون قريش على تولي الأمر.
نعم، نسعى لهدم نمط الحكم في موريتانيا وإعادة تأسيس للحكامة بالبلد، رغم مخاوف البعض من المجهول، ولكن الله يعلم ما في الصدور، يعلم بأننا ” ما أردنا إلا خيرا “.
التغيير في موريتانيا يفرض ويشترط الخروج من المربع الذي فرض عليها البقاء فيه لعقود من طرف نمط حكم فريد من نوعه في العالم يتمثل في نظام ” الحزب العسكري الواحد ” متحالف مع عائلات إقطاعية تطبق سياسة محاصصة لها في تقاسم ثروات البلد والوظائف والمناصب الإنتخابية.
إن تخلص وتحرر الدولة والشعب من هكذا ” نمط حكم ” يتطلب تفكيك منظومة التحالف العسكري – الإقطاعي وفك ارتباطهما ببعض وارتباطهما بتسيير الدولة وعودة كل منهما لمعاقله ( القبيلة لدورها المجتمعي التقليدي المهم، والجيش لثغور حماية الحوزة الترابية للبلد ).
ما لم يحصل فك الإرتباط هذا بشقيه، فسيظل البلد حفرة بؤس تزداد اتساعا وعمقا مع الوقت، وسيظل الشعب مقسما على حظائر بشرية تسوسها العائلات الإقطاعية لمصالحها الخاصة، ولو نظرت إلى أية حظيرة من هذه الحظائر اليوم ( باسكنو، اركيز، جيكني، اكجوجت، أشرم، …. ) لوجدت أنها حفرة بؤس تعيش ساكنتها ظروفا لا تتوفر فيها أدنى مقومات الحياة في حين ترفل العائلة ” المالكة لها ” في رغد العيش بتفرغ زينه بعيدا عنها.
فقط سياسيون ومثقفون وأطر من خارج هذه المنظومة يمكن اعتبارهم ” مخلصا ” للبلد والشعب يحطم القيود التي منعتهما من اللحاق بالشعوب والدول المجاورة حتى لا نبتعد في المقارنة جغرافيا.
إن طبيعة التركيبة الإجتماعية في موريتانيا تفرض أن يكون ” مخلص ” شعبها ومحرره لديه ” هارونيون ” يشدون عضده … ليعبر به وبهم إلى بر الدولة المدنية المنشودة.
إن مرحلة ” العبور الأمن ” من نمط حكم الحزب الواحد إلى نمط حكم ديموقراطي التي تحققت في الجارة السنغال، يعود الفضل فيها لصبر الرئيس السابق عبد الله واد وطول نفسه السياسية، وهو الذي تمت شيطنته وسجنه عدة مرات و” شراء ” الحزب الحاكم لرفاقه ونوابه في البرلمان ومحاصرته ماديا وإعلاميا لعقود، ومع تغير الأجيال فرض جيل جديد وصوله لسدة الحكم ليتغير بذلك نمط الحكم في السنغال للأبد خاصة في مجال استقلالية المؤسسات وبالأخص المجلس الدستوري.
ولا أظن أن غير السيد بيرام الداه اعبيد تتوفر فيه شروط ” المخلص ” التي توفرت في ” المخلص السنغالي ” عبد الله واد، وليس الأهم وصول السيد بيرام للحكم بقدر أهمية ما سيترتب على ذلك لديموقراطية ومدنية البلد مستقبلا، أي أن السيد بيرام في هذه الحالة يمثل ” جسر عبور ” كما كان السيد عبد الله واد للسنغاليين والسنغال.
لماذا بيرام ؟
إن أي مشروع سياسي يمكنه أن يكون بديلا لنمط الحكم الحاكم للبلد و” مخلصا ” منه، يشترط فيه تواجد أنصار وناخبين له على عموم خارطة البلد الجغرافية والعرقية ( في كل المدن والمقاطعات والقرى ) وهو شرط لا يتوفر في غير المشروع السياسي للسيد بيرام والمشروع السياسي لحزب تواصل، وبتحالف لهذين المشروعين مع ” هارونيين ” من أمثال السيد صمبا تيام الذي جنح للعمل السياسي بدل الحركي، والشباب الوطني العصامي كرئيس حركة كفانا يعقوب أحمد لمرابط، ونخبة فكرية وطنية كالأستاذ الطالب عبد الودود الذي يجسد مقولة الأستاذ حسين الوداعي بأن ” المثقف ليس نجماً ولا مطرباً شعبياً ليحرص على حب الجمهور له ورضاه عنه.
المثقف الذي لا يصدم الجمهور ولا يتحدى يقينياته ولا يغير طريقة تفكيره مجرد “شاعر قبيلة” يتسول لقمة عيشه بالكتابة، ومرتزق يمتهن كرامته بتسول أعطيات “الكفيل” الداخل والخارج “.
هؤلاء من أعتبرهم أعمدة جسر لعبور أمن للبلد وشعبه إلى الدولة المنشودة، وتبقى الإرادة الشعبية للتغيير والعبور، شرطا أساسيا آخر أثبت تاريخ الأمم والدول أن توفرها يخلق الأسباب ويروض قوانين الطبيعة وإكراهات الظروف ويصنع المعجزات.
لا تريد دولة محاصصة على أساس قبلي أو جهوي أو شرائحي، بالمقابل لا نسعى لدولة تسوسها كفاءات غير وطنية، فالكفاءة وحدها في هكذا مراحل من تاريخ الدول والشعوب لا فائدة منها بغير اقترانها بالوطنية وتوفرها في صاحبها.
وتبقى الخيارات محدودة جدا للشعب الموريتاني اليوم ونخبه السياسية والفكرية ونحن على أبواب رئاسيات مصيرية، إما مواصلة السير والتقدم في طريق البؤس والعطش والجوع حتى الهلاك، وإما التوقف وسلك طريق آخر ضمان سلامته أنه ” ليس في الإمكان أسوأ مما كان “.
الحسن آب
ابروكسل
15 رمضان 1445
25 مارس 2024