هل بالإمكان تحقيق الرفاه الموريتاني عبر البوابة العالمية the global gateway?/علي سيدي امريزيك
يثير منذ أيام موضوع مسودة الإتفاق المحتمل توقيعه حول الهجرة بينموريتانيا و الاتحاد الوروبي جدلا سياسيا، و ذعرا شعبيا، و قلقا للنظام هومدعاة للشفقة و التأمل في آن . ففي الوقت الذي تتسابق فيه الدولالأمريكية اللاتينية و المغاربية (كالمغرب و تونس وليبيا ) للفوز بهذه الورقة الرابحة نجد النخبة الموريتانية منكفأة و عاجزة عن توضيح و تأطير و تعميقالنقاش للرأي العام حول قضية مصيرية و استراتيجية للشعب و الحكومة. والغريب في الأمر أن موقف الحكومة و دفاعاتها لم تكن صلبة بما يكفي لتسكت أو تقنع الآراء الشعبوية السطحية التي غصت بهاوسائط التواصلالاجتماعي .
إن الوقوف في وجه اتفاقية كهذا لهو بكل بساطة وقوف ضد نقل الكهرباء منالعاصمة نواكشوط 1400 كلمتر إلى مدينة النعمة، و هوضد محطات تحويلالكهرباء و محطة للطاقة الشمسية في كيفه، و هو أيضا يعني حرمان أحياء بأكملها من الحصول على الانارة.
لقد هيأ الوضع الدولي و الإقليمي لنا هذه الفرصة الذهبية و نحن الشعب الذي يعيش حاضرا غير مستقر و نسير نحو مستقبل غير واضح المعالم. إن كل ذي عقل حصيف يدرك أننا و من خلال هذه الاتافقية مقبلون على تقوية دفاعاتنا العسكرية في وجه الارهاب الذي يتربص بنا في اقليمنا الساحلي الملتهب، حيث سيشرف الاتحاد الأوروبي على تكوين وحدات من الجيش الوطني و تزويدنا بأجهزة متطورة لرصد كل خطر يهدد الحوزة الترابية و سيادتنا.
لقد كان الوضع الدولي و الإقليمي اللذان يرسمان سمات صراع النفوذ بينالصين و الغرب في القارة السمراء، هو الموجه الأول و الرئيس للأوروبيين و الأمريكيين على حد سواء، لمراجعة سياساتهم التنموية و الاقتصادية فيالقارة حيث يشكل تنامي نفوذ الصين في أفريقيا قلقا كبيرا لديهم، فقد ركزتالصين في العقدين الماضيين في استثماراتها على ، الجانب الإنمائيكالبنى التحية و التكنولوجيا الزراعية، الصحة و الغذاء عبر وجود أزيد من عشرة آلاف شركة صينية في القارة الأفريقية، وفقا لمعهد ماكينزي العالمي(ماكينزي 2017)، و في المقابل بدت غير فعالة سياسات مؤسسات البريتنوود الغربية (صندوق النقد الدولي والبنك العالمي)، حيث كانت تركز علىالإقراض و التجارة الدولية و المدفوعات بالإضافة إلى ما اعتبره القادةالأفارقة ابتزازا لحكوماتهم و اثقال دولهم بالديون. و قد أصبح لا مهرب للغربمن مراجعة سياساته اتجاه أفريقيا، وهذا ما تمت ترجمته حاليا من خلالمجموعة الدول السبعة G7))و الولايات المتحدة الامريكية بالاضافة للاتحادالاوروبي. تهدف الخطة إلى خلق شراكة متكافأة مع افريقيا و تدعم اعادةهيكلة المؤسسات الدولية الكبرى – كالامم المتحدة ، صندوق النقد الدولي و البنك الدولي – من اجل اشراك العالم الثالث .عبر هذا الثلاثي أعد الغربخطتة الانمائية لمواجهة تمدد الصين في القارة, حيث سيواجهها و روسياعبر النظام المتعدد الأطراف و مقاربات انمائية تم التأطير لها عبر خطةالبوابة العالمية (The Global Gateway 2021) و تمثل هذه الخطة عصارةعصف الذهن الجيوستراتيجي الغربي , وقد تم رصد ميزانية 150 بليونيورو للاستثمار حصرا في افريقيا.و مالشراكة الموريتانية الأوروبية المتوقعةإلا من تمثلات هذه الخطة. و من هنا التقت مصالح الدولة الموريتانية و التيهي بحاجة لشريك ضخم و استراتيجي كالاتحاد الاوروبي مع هذا الاخيرالباحث عن دولة كموريتانيا يمكن من خلالها تنفيذ أحد أهداف الخطة وهو الجانب المتعلق بالهجرة والمهاجرين.
لماذا موريتانيا خيارا للاتحاد الاوروبي وليس المغرب ؟
فعلى الرغم من توفر المغرب على المؤهلات ليكون ساحة المشروع الأوروبي الطموح في القارة الافريقية إلا أن ثلاثة عوامل رئيسة حالت دون ذلك . فالعامل الأول هو العلاقات المغربية الصينية القوية و التي تعززت أكثر فيالسنوات الاخير من خلال التبادل التجاري حيث بلغ التبادل الصينيالمغربي 7.6 مليار دولار في سنة 2022, و أما العامل الثاني و الأهم هوأن الصين ستكون تتحكم في التجارة الدولية في افريقيا عبر السيطرة علىميناء طنجة و الذي تمت توسعته من طرف مجموعة الشركات الصينية, ليكون أول ميناء من حيث طاقة الاستيعاب في البحر الابيض المتوسط مع قدرة استيعابية تبلغ 6 ملايين حاوية. و يربط المملكة المغربية ب 77 دولة و 186 ميناء. و أخيرا موضوع المهاجرين والذي اصبح ورقة ضغط بيد المغربتبتز به اسبانيا دولة عضو في الاتحاد الأوروبي, و قد اعتبرت اسبانيا أنالسماح بتدفق آلاف المهاجرين 2021 على جيب سبتة من طرف المغربأنهابتزاز وعدوان على الحدود الاسبانية و حدود الاتحاد الاوروبي و أنه خرقللقانون الدولي.
لقد اتيحت لحكومة موريتانيا و لأول مرة فرصة ذهبية إن استغلها الوفدالحكومي المفاوض أحسن استغلال و فاوض من موقف ملأ الارادة(Negotiations to impose the well) وليس من موقفالمفاوض للوصوللتسوية (Negotiations to achieve the compromise). فإنه سيحققمكاسب ستجعل من موريتانيا يحسب لها الف حساب في المنطقة. موريتانيا تحتاج حليفا دوليا و استراتيجيا كالاتحاد الاوروبي لتخرج من مستقعهاالفقري و البؤسي إلى الرفاه, تحتاج الاتحاد الاوروبي كحليف و شريك يؤطركادرها , و يستثمر في بنيتها التحتية , و يربط حضرها بريفها و ينقلالكهرباء من انواكشوط إلى حيث مناطقنا الداخلية التي تعيش في الظلام الدامس.
لقد اطلعت مع أطر دولية موريتانية على مسودة التعاون الموريتاني الأوروبيالمبرمج توقيعها بتاريخ 7 مارس 2024 وقد بدت في جلها إن لم تكن كلها فيالصالح العام الموريتاني. و إن قدر لها أن ترى النور و سيرت تسييرا حسناستقفز بموريتانيا قفزة تنموية لم نكن نحلم بها في المستقبل القريب. حيثسيضمن الاتفاق لموريتانيا التحول الأخضر، إذ سيعمل الفريق الأوروبيعلى تطوير وإنتاج الهيدروجين في موريتانيا للاستعمال المحلي و التصدير، و ستستفيد موريتانيا حكومة و شعبا من إنشاء طريق سريع بين العاصمةنواكشوط و العاصمة الاقتصادية نواذيب و بمعايير و إشراف أوروبيينبالاضافة إلى خط لنقل الكهرباء 1400 كلم من نواكشوط إلى الأقصىالموريتاني مدينة النعمة ، هذا زيادة على محطات تحويل الكهرباء و محطةللطاقة الشمسية في كيفه. ناهيك عن التحول الرقمي من خلال كابل بحريلمضاعفة قوة الانترنت و انشاء قاعدة تحليل البيانات في انواكشوط من أجلرقمنة السيادة الوطنية و دعم الأمن و مبادلات البيانات. حماية و تطويرالثروة البحرية و دعم الصيد عبر بناء البنا التحتية العصرية و الملائمة. منخلال هذا الاتفاق سنستطيع تدعيم أمننا الاقليمي نعم الامن من خلال دعمالجيش عبر تكوين الكادر و تأطيره ، زيادة للمعدات العسكرية للتصديللارهاب و حماية الحدود مع مالي.
إن نقطة المهاجرين التي اثارت غضب و اذكت جذوة النقاش في البلد لاتتحدث البتتة عن توطين لمهاجرين أو اعادتهم من أوروبا لموريتانيا، و أي عقليفكر بهكذا الأسلوب لهو معطوب. إن القانون الدولي لا يسمح بذلك و سيادةالدولة الموريتانية تتنافى وذلك و دستورالجمهورية لا توجد به فقرة واحدةيمكن استنطاقها أو تفتح ظفرين لهكذا اجراء. فمن أين جاء هذا التفسير ؟ فإن لم تكن هذه الاستخلاصات ضد الوطن و المواطن فماهي إذن؟
إن المهاجرين هي ورقة (البوكر) و هي كذلك واقع موريتاني و طني لا يمكنتجاهله وعدم التعامل معه، لأنها واقعنا الاقليمي و امتداداتنا الثقافية و الدينية و الاجتماعية. وليس في الأمر كله سوى أن هذه الورقة المربحة جداستصبح بأيدينا بعد أن كنا محرومين مما تدره من أموال رغم أننا نتأثر بها ، بل كنا معبرا للمهاجرين و مسيرا لاجراءاتهم دون أي مقابل .
لقد كانت ورقة الهجرة بيد كل محيطنا الاقليمي المغاربي -كتونس و المغرب و ليبيا و إمتدادني الديني كتركيا)، وقد اصبحت ورقة اليانصيب الموريتاني و التي سنجني منها كما كانت تفعل كل دول الجوار. ولذلك من المنطقي جداأن يحاول بعض عملاء تلك الدول أن يشوش على الرأي العام الوطني و يغالطه. إن منح موريتانيا الثقة في تسيير إجراءات المهاجرين مقابل مبلغ210 مليون يورو سوف يخلق وظائف محلية لا تحصى و يكسب سيستمناالقضائي خبرة في المجال و يحرك نظام الخدمات لدينا من تعليم و تأمين، تماما كما كان يستفيد المغرب و ليبيا و مصر و تركيا و غيرها . إن الذين يقللون من قيمة 250 مليون يورو لموريتانيا مقابل 500 مليون يورو للمغرب، دون الأخذ بعين الاعتبار الناتج المحلي للدولتين فليس هو فقط بظالم موريتانيا بل يجعل من نفسه أضحوكة، حيث تأتي المغرب $3,856 مع 38,211,459 نسمة و موريتانيا $2,074 مع 4,993,922 نسمة. الآن فقط يحق لنا مقارنة الرقم 250 مليون يورو الذي ستحصل عليه موريتانيا.
إن شبح الهجرة هو السلاح الوحيد الذي منحه الله لدول العالم الثالث للضغطمن خلاله على الغرب و ابتزازه. إننا كنخبة وطنية علينا ان نقف خلفالاتفاقية و ندعمها بغض النظر عن انتماءاتنا السياسية و حساسياتناالاثنية و مشاربنا الايديلوجية وليكن دعمنا للاتفاقية عبر المساهمة في رفعسقف التفاوض و توسيع الاطار المرجعي له. فعلى الوفد الموريتاني أن يضعفي مقترحه فتح مسالخ عصرية و بمعايير أوروبية لفتح السوق الاوروبيأمام انتاجنا من اللحوم و الالبان و مستخرجاته, و عليهم أن يقترحوا مركزالخدمات الاتصال يتكون فيه الشباب على الخدمات الدولية و يؤهلهم للسوقالعالمية بل و أكثر.
إن تاريخ موريتانيا الطويل فتسيير ملف اللاجئين و التزاماتنا كدولة موقعةعلى الاتفاقيات الدولية و الاقليمية لحماية اللاجئين (جنيف 1951 و البروتكلين المكملين لها واتفاقية الاتحاد الافريقي ) يجعلنا مؤهلين أكثر من غيرنا لتسيير ملف المهاجرين. حيث نحتضن مخيم اللاجئين في مخيماتامبرة حدود سبعين الف لاجئ, بالإضافة 12 الف لاجئ في المناطقالحضرية تسيرهم المفوضية السامية للامم لشؤون اللاجئين . إن نجاحنا في تسير آلاف اللاجئين في المخيمات و المدن الحضرية يجعلنا ضالة الاتحاد الاوروبي التي يبحث عنها.
و لقد حان الوقت لنا كدولة وشعب أن نقرر ما إذا كنا سنبقى هامشيينمتسكعين على رصيف العالم أو نوقع هذه الاتفاقية لتكون طوق النجاة لنا و إلا فإننا أمة مقضي عليها لا محالة.
المصادر:
1. البوابة العالمية للاتحاد الاوروبي : إانشاء روابط و ليس تبعيات(2021). https://www.eeas.europa.eu/eeas/
2. U.S.-Africa Leaders Summit 2023./https://www.state.gov/africasummit
3. هل تتمكن الصين من رأب الصدع بين المغرب و الجزائر: https://www.aljazeera.net/midan/reality/economy/2021/4/22/
4. الشراكة الموريتانية الاوروبية 2024 EU-Mauritania Partnership: EU-Mauritania_factsheet.pdf.pdf
5. The Group of Seven (G7) is an intergovernmental political and economic forum consisting of Canada, France, Germany, Italy, Japan, the United Kingdom and the United States;
6. Christina Lu 2023. The move comes straight out of China’s Belt-and-Road playbook/Lobito Corridor: The U.S.-China Critical Minerals Race in Africa Is Heating Up (foreignpolicy.com):