الرئيسية

تأثير الجائحة على الصيادين الموريتانيين

بلا رواتب شهرية محددة، يجوبون أعماق البحار آملين أن تعودَ شباكهم مملوءةً بالسمك، هكذا يحاول الصيادون التقليديون في كل رحلة أن يعودوا معهم بما يسد فجوة انعدام المرتب الشهري في قطاع الصيد التقليدي، لم تكن أوضاعهم قبل الجائحة بالهنيئة ولم تسلم شراع زوارقهم من عواصف وباء كورونا، الذي حدّ من دخلهم المتواضع، وأثّر عليهم نفسيا وهم داخل ظلمتيْ البحر والليل، والأخبار التي تأتي من اليابسة لاتنذر بالخير، فأثناء إبحارهم بعيدا، كانت أقرب نقطة يابسة تفصلهم عن ذويهم تقدر بأكثر من 470كلم²، وعداد الإصابات يرتفع في العاصمة انواكشوط، ليقاسوا همّ احتمال العودة بشباك فارغة وهمّ احتمال إصابة بعض ذويهم بوباء كورونا.
محمد الامين ولد ابليل صياد تقليدي منذ عشر سنين يتنقل بين الزوارق المعنية بصيد “الأخطبوط”، يروي لنا قصة معاناته قائلا: “لقد علمت بخبر انتشار الوباء صبيحة ليلة الإعلان عن الحالة الأولى من مذياع القبطان الذي كنت أعمل معه، حين كنا نتوغل في أعماق المحيط الأطلسي، لم أبالي في أول الأمر بهذا الخبر إذ أنني اعتقدته خبراً مثل ذلك النوع من الأخبار الذي يذاع مرة واحدة، لكننا لمّا عدنا إلى الميناء بعد ذلك بأسبوع اكتشفنا أنه وباء عالمي..كان يجب أن نعود للعاصمة انواذيبو بعد كل رحلة لنستريح يوما أو يومين لكننا أثناء الجائحة كنا نقيم بزوارقنا الرّاسية على الميناء حتى موعد الرحلة الأخرى، وهكذا ظللنا نتكيف مع الجائحة حتى أغلق البحر أمام الصيادين إيذانا ببدأ الراحة البيولوجية، لم نتضرر كثيرا أثناء الموجة الأولى من كورونا، لكن الموجة الثانية كانت قاسية علينا إذ أن تأثيراتها بدأت تشمل الأسواق الصغيرة كسوقنا الذي كنا نمارس فيه نوعا من البيع و الشراء مع ملاك المخازن الصغيرة التي تتعامل مع الشركات الكبرى المصدرة للسمك إلى أروبا.
ويضيف ولد ابليل: “جرت العادة أن تبدأ الراحة البيولوجية في فاتح مايو وتنتهي في فاتح يوليو، ولكن في سنة 2020 بدأت الراحة البيولوجية يوم 15 مايو وانتهت يوم 15 يوليو، ولمّا عدنا إلى الميناء قاموا بوضعنا في الحجر الصحي مدة 15 يوما..بعدها اتجهنا إلى محطات النقل للعودة إلى انواكشوط وتفاجئنا بارتفاع تكلفة السفر للفرد إلى 10آلاف بدلا من 5 آلاف، لأن الذين كانوا يقومون بعمليات النقل تلك، هم أشخاص حصلوا على رخصة للتنقل أثناء الحظر بطرق معينة” .
وبعد شهرين من الراحة استفد فيهما الصيادون التقليديون كل ما حصلوا عليه من الرحلات السابقة، عادوا إلى زوارقهم بمشقة أقل، لأن حظر التجوال وإغلاق الحدود بين الولايات كان قد رفع قبل انتهاء الراحة البيولوجية بخمسة أيام وتحديدا يوم 10\05\2020، ليسافر الصيادون من انواكشوط إلى انواذيبو مجددا محملين هذه المرة بهمّ العودة بشباك مملوءة سمكاً فقط، بعد الاطمئنان على ذويهم.
يقول الطالب ولد المعلوم وهو ضابط خريج المعهد العالي للصيد البحري بأكادير: “لاشك أن قطاع الصيد في موريتانيا يحتاج لسنِّ الكثير من القوانين التي ستساهم في تحسينه، وخصوصا قطاع الصيد التقليدي، الذي أبرزت الجائحة الكثير من مشاكله وأهم تلك المشاكل أن هؤلاء الصيادين لا يتلقون رواتب مضبوطة، وقد لا تعود شباكهم الصغيرة مقارنة مع شباك القبطان ومالك الزورق بما يكفي من السمك وذلك ما حدى ببعضهم إلى الاعتماد على ما علق بشباك القوارب من عينات السمك الغير مرخصة للصيد، وهو عرف سائد بين البحارة والقباطنة، إذ أن القوارب لا تستطيع أن تضيف هذه النوعيات من السمك في سجلها الذي سيمر على خفر السواحل، فيتخلصون من هذه الأسماك عن طريق إعطائها للبحارة الذين يبيعونها في السوق السوداء للشركات الصغيرة التي تبيعها للشركات المصدرة، ولأن تكاليف الشحن ارتفعت في فترة الجائحة انخفضت أسعار هذه الأسماك مما أثر على دخل البحارة الذين يتلقون راتبا زهيدا مقارنة بما يقاسونه من مشقة”.
ويضيف ولد المعلوم: “و توازيا مع لأضرار الاقتصادية للجائحة، قلصت شركات الصيد الصناعي رواتب صياديها، فيما قلصت شركات الصيد التقليدي النسبة التي كان الصيادون يحصلون عليها، وبهذا التقليص يمكننا أن نقول أن الصيادين التقليديين هم أكثر من تضرر من بين العاملين في قطاع الصيد، ولا ننسى أيضا أن قباطنة الزوارق الصغيرة حرموا من مكافئات كانوا يحصلون عليها إن لم تعود شباكهم بأكثر من ربع حصيلة الرحلة، فالملاك كانوا يخشون على رؤوس أموالهم حتى ولو كلفهم ذلك أن يوقفوا زوارقهم حتى تنتهي جائحة كورونا.
بسبب ارتفاع أسعار الشحن جراء التوقف العالمي لحركة الموانئ أثناء جائحة كورونا، اتفق ملاك المخازن على بيع كيلوغرام سمك الأخطبوط ب 3500 اوقية قديمة بدلا 4000 آلاف أوقية قديمة بعد الكثير من المضاربات، لكن الثمن الذي يشترون به من عند الصيادين التقليديين لم يراوح مكانه مما جعل الصيادين يدخلون في بعض الإضرابات الغير منظمة والتي لم يشارك فيها معظمهم مخافة أن تتوتر علاقتهم بزبنائهم داخل السوق السوداء.
يقول: “محمد المصطفى ولد أميني وهو قبطان خريج الأكاديمية البحرية بانواذيبو : الموجة الأولى من كورونا كان تأثيرها طفيفا من حيث الإنتاج إذ أن فترة الصيد تم تمديدها، لكن لم نستطع مواكبة الافتتاح في الوقت المحدد جراء تأخر التجهيزات بسبب الحظر، وبعد فترة أصدرت الجهات المعنية للقباطنة جوازات مرور يتحركون بها إذ أنهم مطالبون بتجهيز عدة الرحلة قبل قدوم الصيادين ببضعة أيام، وهذا التأخر نتج عنه انخفاض في مستوى الإنتاج لم يؤثر على الصيادين وحدهم بل أثر أيضا على عمال الإفراغ الذين كانوا يعملون بدوام يومي لصالح الشركات التي تستقبل إنتاج البحارة”.
كانت أضرار الجائحة جسيمة على قطاعٍ يفتقر رواده لنقابات مهنية جادة تكافح عنهم مدّ التوغل الرأسمالي، فالصيادون التقليديون بعد كل محاولة للإضراب، تسرحهم شرائك الصيد التي تبقي فقط على العمال الذين يقبلون بتلك التعويضات التي لا تكفي لمن يهدده خطر الغرق وهو يعبر أحلامه في زورق صغير يفتقد لأبسط آليات الأمانة والإنقاذ.

اخليهن بوبكر

تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى