قصة كفاح “إكاون”ضد جائحة كوفيد 19
بعد أشهر من تنظيمها لحفل “أوبريت المديح النبوي”، تتنفس الآن الفنانة لبابة منت الميداح الصعداء بعودتها إلى إنعاش الحفلات الموسيقية الشعبية والرسمية بعد سنتين من القلق كان فيهما الفنانون التقليديون أكثرَ المتضررين لأن مهنتهم تتطلب الحركة والتجمع و هو ما لم يحدث أثناء الجائحة، وتمثل الموسيقى الموريتانية بمقاماتها الخمس حكاية الإنسان من الطفولة إلى الشيخوخة، تلك الحكاية التي أصبحت جائحة كورونا منذ آذار/مارس 2020، فصلا مهما من فصولها.
ولأن مايعطي للجلسة الموسيقية الموريتانية رونقها هو وجود أيادٍ تصفق مَرحا في الهواء، قيدت جائحة كورونا أوتار الفنان الموريتاني وشلت حركته في فترة كان الغناء فيها هو آخر ما يخطر على بال العالم الموبوء، لكنه استطاع أن يخلد يوميات كورونا في قصائده المغناة كتفاعل طبيعي مع المتغيرات الصحية التي طرأت على العالم وجعلته في حالة من الجمود.
تقول لنا لبابة منت الميداح “لقد تضررتْ جميع مكونات المجتمع الموريتاني، ونحن بدورنا كفنانين تقليديين تضررنا وكان الضرر أكثر نفسيا لأن ما ألفناه من فرجة وأماسٍ فنية أوقفته الجائحة بعد قرار حظر التجول وإغلاق قاعات الحفلات، وقد أثر ذلك على نفسيتنا كثيرا فلقد تأجل الكثير من النشاطات الفنية التي كنا سنقيمها، مما أثر علينا اقتصاديا، وقد تم تأجيل الكثير من المناسبات كحفلات الأعراس مثلا، وما لم يؤجل منها أقيم بدون احتفال”
وتضيف منت الميداح “للفنانين التقليديين الذين تربوا و ترعرعوا في كنف أسر فنية عريقة مكانة مهمة وخاصة في المجتمع الموريتاني، والتكافل الاجتماعي هو ما يمتاز به مجتمعنا لذلك استطعنا من خلال الصبر والتعاون تجاوز مرحلة الجائحة، ومع وصول اللقاح بدأت الحياة تعود لطبيعتها.
ما إن أحكمت جائحة كورونا قبضتها على مظاهر الحياة الطبيعة في موريتانيا حتى تشكلت بوادر حياة أخرى موازية على شاشات الهواتف الذكية، ليجد الفن سماءً بديلة تبسط فيها حماماته أجنحتها بالمحبة رابتة على أكتاف الذين أقلقتهم الجائحة، فعلاقة المجتمع الموريتاني بالفن وطيدة وضاربة في أعماق الزمن، و ربما ذلك ما يفسر الحظوة الاجتماعية التي تمتاز بها شريحة “إيكاون” وهي طبقة الفنانين التقليديين الذين ورثوا امتهان الفن عن أجدادهم، ولأن هذه الطبقة لا تتكسب إلا من خلال الفن كانت أبرز الشرائح المتضررة مما صاحب الجائحة من إجراءات احترازية.
قال لنا سيد أحمد ولد أحمد تار و هو خريج قسم علم الاجتماع من جامعة انواكشوط “إن جائحة كورونا ما زالت تلقي بظلالها على الكثير من القطاعات رغم انحسارها، وكان الفنانون التقليديون من بين الذين تضرروا رغم أن نسبة الزيجات ارتفعت في تلك الفترة في مفارقة غريبة، حتى أن البعض أطلق على تلك المناسبات “أعراس كورونا” وكان أغلب المتزوجين من فئة الشباب وقد شاع هاشتاك “أعراس كورونا” على مواقع التواصل الاجتماعي في تلك الفترة، التي اتخذها بعض الفنانين كوسيلة يقيمون من خلالها جلسات فنية في مجموعات وتسابية معينة مقابل مبلغ أقل مما كان يدفع قبل فترة الجائحة، فإجراءات الحظر قلصت أسعار كل ما ليس له علاقة بالطب والصحة، لكنني أظن أن بعض الفنانين استطاعوا التكيف من خلال إيجاد طرق بديلة لكسب المال مثل إعداد إعلانات للتلفزيون الرسمي من أجل التعبئة والتوعية بمخاطر وباء كورونا.
تزامنت فترة الجائحة مع إنشاء معهد للفنون، كان مطلبا شعبيا منذ سنين، لكن حلم تأطير الموسيقى الموريتانية كاد أن يتلاشى جراء ارتفاع الإصابات بكوفيد 19، ليتحول اهتمام الدولة بكامل أجهزتها إلى هذا الوباء المتفشي للحد من خطورته.
يقول الشيخ ولد آبَّ رئيس قسم الموسيقى بالمعهد الوطني للفنون “إن الظرفية كانت صعبة على الفنانين لأنه لم يكن هنالك من بديل عن السهرات التي كنا نحييها في القاعات وأثر ذلك تأثيرا كبيرا على دخلنا اليومي، فأثناء الجائحة توقفت كل النشاطات حتى السهرات الفنية التي كانت تقام في المنازل” .
ويضيف ولد آب “فكرنا في إيجاد طرق بديلة لكسب قوتنا و هو ما استعصى علينا آنذاك، لذلك حاولنا التواصل مع وزارة الثقافة وقد تجاوبت معنا و دعمتنا بمبلغ عشرين مليون أوقية قديمة استلمناها من مندوبية “تآزر” بمرسوم من رئاسة الجمهورية…وكمساهمة مني وبعض الفنانين في رفع معنويات المواطنين وتحسيسهم بخطورة الوباء حاولنا إقامة بعض السهرات الإنعاشية على مواقع التواصل الاجتماعي وقد لاقت تلك الأماسي استحسانا نوعيا من طرف الجمهور، ولكن الدرس الذي تعلمناه من خلال الجائحة أن الاعتماد على الفن كمصدر رزق وحيد هو مجازفة كبيرة في ظل عالم متغير”.
اخليهن بوبكر
تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا .